[الزايد كما الناقص] ملامح الشخصية القطيفية في فلكلور الأمثال الشعبية (11) – بقلم علي عبد المحسن الجشي

{الزايد كما الناقص}

هذا المثل الشعبي يعكس أهمية التوازن بين الوفرة والندرة كما يقره قانون العرض والطلب في ضبط العلاقة بين المنتج الذي يتم توزيعه ومقدار الحاجة لاستهلكه ليتم التحكم في سعره والحفاظ على قيمته.

وفي معنى مقارب لهذا المثل قولهم “كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده“، وقولهم “إذا كثرت بارت”، وبارت تعني خربت أو خسرت. والبور الفاسد، الهالك الذي لا خير فيه {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا}.

مصدر الصورة: theladders.com

ليس بالضرورة إذن أن تكون الكثرة هي الأفضل وإن قالوا “الكثرة غلبت الشجاع” فقد قالوا “قليل مبارك خيرٌ من كثير مضيع”. وربما تسببت الكثرة في احداث ضرر، والسبب إن الكثرة تحتاج إلى إدارة أقوى ورعاية أكثر، فالفصل المدرسي الأكثر عددًا يحتاج إلى المزيد من الجهد والاهتمام وبالرغم من ذلك قد لا يحقق المستوى المطلوب من النتائج، وغير ذلك من الأمثلة كثير، فالتوازن مطلوب في جميع أمور الحياة.

ولو تأملنا لوجدنا علاقة طبيعية بين وفرة الشيء والكفر به، بمعنى التنكر له أو الغفلة عن شكره، أو عدم الانتفاع من توظيفه توظيفًا حكيمًا واستخدامه فيما يعود بالفائدة على الناس والمجتمع بوضعه في موضعه السليم. يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العَلَق].

ولا يقتصر تطبيق هذا المثل على المجال الاقتصادي فقط، بل هو يشمل جوانب متعددة في أنظمة الحياة مثل الأكل والشرب والنوم والتمارين الرياضية والعمل والكلام والعطاء، وأنظمة الري والزراعة والعمليات الصناعية والتحضر والتمدن وأشياء أخرى لا يمكن حصرها.

ومن عادات المجتمع المتوارثة حب الإطعام ليس للضيف فقط وإنما للجميع وفي المناسبات الخاصة والعامة. وكان هناك الكثير من الناس في المجتمع ممن لا يحبون الأكل بمفردهم ويحبون الجلوس على مائدتهم مع أحدٍ يشاركهم فيدعون اليها ضيف يكون معهم، ومن تعظيمهم لهذا الشأن قالوا “البيت الذي لا يدخله الضيف لا تدخله الملائكة”.

ومن المناسبات التي يتم فيها الإطعام العشرة من شهر محرم الحرام. فكان الناس فيما مضى من الزمان يعدون ما بمقدورهم من طعام من اموالهم أو مساهمات يجمعونها أو اوقاف تحت ايديهم خصصت لهذا الشأن وعادة ما تكون الوجبات بسيطة ومكونة من بعض الأرز وأشهرها المحموص مع شيء قليل من اللحم إن أسعف وجوده، ويتم تقديمها في المآتم للحاضرين أو توزيعها للبركة أو ليستفيد منها اصحاب الحاجة.

ومع توفر الخير وزيادة النعمة، بفضل الله ومنه، ووجود امكانيات اكبر للتوزيع وتنوع متطور راقٍ فيما يقدمه أهل الخير والكرم الذين يبذلون ما في وسعهم لعطاء افضل ما يمكنهم من صنوف الوجبات وأنواع المخبوزات والمشروبات والفواكه وغيرها ، إزدادت كمية ومساخة التوزيع.

ولأن زمن هذه المناسبة قصير وكون التوزيع يومي ومستمر من أماكن كثيرة، ربما يتم ملاحظة عدم الاستفادة القصوى مما يتم توزيعه بالطريقة المثلى مما يؤدي إلى نوع من التبذير الغير مقصود بسبب عدم امكانية التوزيع بشكل افقي أوسع ليشمل اكبر اعداد ممكنة فيتكدس الطعام في اماكن وتحرم منه أخرى، أو أن يتم توزيع المنتوجات التي لها مدة صلاحية للاستهلاك ولا يتمكن من اصبحت في حوزته الاستفادة منها ضمن هذه المدة المحدودة فيكون مصيرها الى التلف، فعلينا قدر الإمكان الانتباه لمثل هذه الأمور بعمل ما هو مناسب لتلافيها. والمجتمع القطيفي بلا شك مجتمع متوازن يتسم بالحكمة ويسعى دومًا للتطوير وعمل ما هو أفضل.

المهندس علي عبد المحسن الجشي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *