[أما بأخلاقكم وأما بأرزاقكم] ملامح الشخصية القطيفية في فلكلور الأمثال الشعبية (5) – بقلم علي عبد المحسن الجشي

{أما بأخلاقكم وأما بأرزاقكم}

مثل شعبي دارج، يعكس جانب مهم من ثقافة المجتمع ووعيه بقيمة الأخلاق وأهميتها في تسيير أمور الحياة بما تتضمنه من سمو روحي يستوجبه التعامل الإنساني حين التعامل مع الآخرين.

يُذّكِر هذا المثل بصفتين اساسيتين لهما أثرٌ إيجابي بالغ في نفسية من نتعامل معهم، وتساهما في خلقِ ردودِ فعلٍ موائمة لإقامة علاقات طيبة. وبما إن لكل فعل رد فعل مماثل، فمن الطبيعي أن تمنح هاتان الخصلتان صاحبهما شأنًا ومكانة، وأن تُفشي روحَ الأخوةِ في المجتمع.

هذا المثل قدمَ الأخلاق على الأرزاق لسببين. الأول هو إن الأخلاق سهلة المنال لمن أرادها لإنها متولدة من الداخل ولا تعتمد على ظروف خارجية تحول دون استحصالها، فباستطاعة أي إنسان أن يكتسب الأخلاق الحميدة ويمارسها فتصبح جزء من سلوكه اليومي، ولا عذر لمن لم يفعل ذلك، والسبب الثاني إن أي عمل لا تستقيم نتائجه ويستمر أثره مالم تكن الأخلاق هي الفضاء الذي صُنِعَ فيه وهي المراد من صنعه.

الأخلاق عنوان واسع لقيم ثابتة تهدفُ لتحقيق غايات سامية. في مُجملها تشملُ الأخلاق: حُسن الخلق والشمائل الكريمة والخصال الحميدة والسلوك القويم، وبها وصف الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم عليه افضل الصلاة وأتم التسليم في قرآنه المجيد بقوله “وَإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ”.

صاحب الأخلاق الكريمة يعرفُ كيف يٌقدر مشاعر الآخرين بمختلف مشاربهم دون تمييز ويهتم بأحاسيسهم دون تفريق ويتفهم عواطفهم دون تسقيط ويستوعب اراءهم دون تعصب ويحترم ثقافتهم دون ترفع. التواضع والحياء والاحتشام واللطف والعطف والشفقة واللياقة والكياسة والبشاشة هي سمات أساسية لمن اتصف بحُسن الخلق.

فالأخلاق سجايا وممارسات تستأنس بها الروح وتطمئن بها النفس. في قصيدته الميمية التي مدح فيها زين العابدين الإمام علي أبن الحسين (عليهما السلام) يُبين الفرزدق محاسن صاحب الأخلاق، فيقول:

سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ @@@ يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ

ومكارم الأخلاق أهم مسئولية تحملها الإنسان من الحين الذي استخلفه الله في الأرض لإن تطبيقها عمليًا يستوجب التزام وتذكير، ومن أجل ذلك بعثَ اللهُ الأنبياءَ وسُنتْ الشرائعُ ووُضِعتْ القوانين، وفي الحديث الشريف “إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق”.

قالوا: “في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق”، وبالأخلاق تستقم النفس، والأخلاقُ درب الاستقامة. في قصيدة نهج البردى يقول شوقي:

صَلَاحُ أَمْرِكَ لِلأَخْلاَقِ مَرْجِعُهُ @@@ فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلَاقِ تَسْتَقِمِ

وَالنَّفْسُ مِنْ خَيْرِهَا فِي خَيْرِ عَافِيَةٍ @@@ وَالنَّفْسُ مِنْ شَرِّهَا فِي مَرْتَعٍ وَخِمِ

وفي قصيدة المعلم، يقول شوقي في أهمية الأخلاق:

وإذا أُصيبَ القومُ في أخلاقِهمْ @@@ فأقمْ عليهم مأتمًا وعويلا

والأمم كما قال شوقي تحيا بالأخلاق:

وإِنَّمَـا الأُمَـمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيَـتْ @@@ فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا

المصدر: eskchat.com

أما الأرزاق في هذا المثل فتعني كل عطاء يقدمه صاحبه مستخدمًا امكانياته المادية كالمال أو الجاه أو المنزلة أو الوظيفة لينفع به الناس، أو معنويًّا بتوظيف التجربة والحكمة والعقل والذكاء والعلاقات الاجتماعية لحل مشاكل الناس وتسهيل أمورهم وتقديم خدمات لهم كالتعليم والشفعة والوقوف في الشدة، على أن نتذكر إن كل رزق عند الإنسان هو من نعم الله. والعطاء نوعٌ من الكرم وهي صفة سامية من سمات الإنسان التي يجلها الناس وتمنح صاحبها الوجاهة، وقد قيل:

تستَّر بالسخاء فكلٌّ عيب… يغَطيه -كما قيل- السخاء

يمكن القولُ إن المجتمع القطيفي سخي في العطاء على العائلة، فهو يهتم بسكنه ومأكله وهندامه وصحته، وهي صفةٌ عامة له، كما إنه لا يقصر في مساعدة الآخرين حسب الاستطاعة.

فيما مضى، كان كثيرٌ من الميسورين يوقفون املاكهم وأغلبها مزارع وبساتين ليستفاد من مردودها المالي في الأعمال الخيرية. حاليًا، تم تأسيس العديد من الجمعيات الخيرية وجمعيات نفع عام مسجلة رسميًا في أنحاء القطيف ويساهم بعض افراد المجتمع بدعمها بالاشتراك السنوي والتبرعات وهناك من يتبرع بسخاء لأجل المجتمع، وهذه الجمعيات بلا شك في حاجة دائمة  إلى المزيد من الدعم المستمر من أعداد أكبر من المساهمين والخيرين. كما إن هناك من يقوم بدعم مشاريع نفعية، يحتاجها الناس، بسخاء، وكما يقول المتنبي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ @@@ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

على العموم فالمجتمع لا يقصر بالدعم المالي للمعوزين وخاصة في الحالات الطارئة والحرجة، وهو مجتمع معطاء للصدقات، و “ما نقص مالٌ من صدقة”. وكما يقال: “مثلما يعود النهر إلى البحر هكذا يعود عطاؤك إليك” ، ويقول الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه @@@ لا يذهب العرف بين الله والناس

المهندس علي عبد المحسن الجشي

تعليق واحد

  1. علي حسن المسعود

    احسنت ابو حسن…فعلا الأخلاق مقدمه على جميع الاعمال لأن الأخلاق مبادئ وقيم تقوم الاعوجاج في العمل وفيها رضا الرب…الدين المعامله واي معامله يجب أن تحكمها الأخلاق المرتكزه على المبادئ…..تسلم ابو حسن على السرد الجميل للامثال ومعانيها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *