ملامح الشخصية القطيفية في ثقافة الأمثال الشعبية – بقلم المهندس علي عبد المحسن الجشي

{الأمثالِ تعبر عن أفكار عميقة وفلسفة واسعة بصيغة حِكم}

[ملامح الشخصية القطيفية في ثقافة الأمثال الشعبية – مدخل: خصائص الأمثال وميَّزها وفوائدها]

قيمة الأمثال

الأمثال باب واسع من ابواب الثقافة المجتمعية فهي تتضمنُ فلسفةً وحكمة أخذت معانيها وكونت مقاصدها من تجارب المجتمع الإنساني الذي تبلورت فيه. فالأفكار والثقافة لا تُخلق من العدم وإنما تُستقى من ظواهر الكون وتناقضات المحيط الذي يتكون فيه المجتمع، والبيئة التي يتعايش معها من ايجابيات وسلبيات وشدة ورخاء وضيق وفرج وفشل ,سراء وضراء ونجاح مع رغبة متأصلة عند الإنسان ليهنأ بمعيشته وينعم بأمن وأمان ورخاء وسلام ، فتتكون بذلك اعتقادات ومعتقدات تبدو لنا امور طبيعية مقبولة تناسب مصالحنا فنتعايش معها، وربما نتمادى في الالتصاق بها حتى نتصورها حقائق لا تقبل النقاش لأن تفكيرنا الجمعي بُني عليها ليكون فكرًا يمثلنا ويصبح جزء منا. من هنا جاءت قيمةُ الأمثالِ لتعبر عن أفكار عميقة وفلسفة واسعة بصيغة حكم تبدو وكأنها مسلمات.

والأمثالُ، من سعة افكارها وعمق معانيها، تكاد لا تُحصر عدًا ولا يعوزها تعبير عن ضمير موقف. كما أنها سهلة المراس، مرنة التداول، فإن لم يتداعى لبال المتحدثُ مثلًا موروثًا مما حفظه تمكن من صياغة مثلًا حيًا من الموقف الذي يصادفه أو الحدث الذي يعايشه، تفتق فكره من معرفته ليأتي بمثلٍ جديدٍ قد يضاف الى الأمثال المعروفة الدارجة. ولهذا لا نجدُ أي مجتمع إنساني يخلو من ثقافة الأمثال.

تتوخى هذه القراءة ربط ملامح الشخصية القطيفية بالأمثال الشعبية والأقوال الدارجة التي يتداولها المجتمع للتعبير عن مقاصده المعيشية بما في ذلك: القرابة والصحبة والجوار والصبر وعدم التسرع في الحكم على الأمور المعاشرة ومعاملة الناس الآداب – التواضع وأدب الحديث وحفظ اللسان وحسن الكلام والوفاء، طبيعة المجتمع العادات والتقاليد ، اهتمامات المجتمع طلب الرزق والسعي والتحفيز والمثابرة والتحدي والمجازفة والمسؤولية واستغلال الفرص والتعامل مع الناس ، الهمة والنشاط. وقبل أن نستعرض هذه الأمثال ونتفحص معانيها ونتعرف على مقاصدها سنستعرض بعناوين موجزة خصائص الأمثال وميَّزها وفوائدها:

فلسفة سهلة

العلاقة بين الفلسفة والأمثال الشعبية وثيقة لأن الأخيرةَ تتضمنُ قيمًا ثقافيةً مجتمعية متجددة تعكس فلسفة حياة المجتمعات وطبيعتها، وفيها الكثير من جوانب الحكمة والأخلاق والآداب التي ترشد المجتمع لما هو صالح ونافع ومناسب لتقاليده وبيئته مما يساعد الناس في فهم مجتمعهم وحياتهم وفلسفتها.

يتم التعبير عن الأمثال بمقولة قصيرة فيها نبوغٌ يثيرُ تعجبًا وتساؤلاتٍ ويبحثُ عن معرفةٍ أو يشيرُ إليها في محاولةٍ لتوضيحَ معنى أو حقيقة عامة أو لإبداء نصيحةٍ ولِدت من صلبِ “حكمة”،،،

ذلك لأن في الأمثالِ تعبيرٌ عن حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية الا إنها تمثل اراء تصح في مكان ولا تصح في مكانٍ آخر وتنطبق في زمان ولا تنطبق في زمان آخر ويقبلها أقوامٌ ويرفضها آخرون وتوافق مناسبات وتخالف أخرى، ومن هنا أخذ المثل مسماه فهو مثلٌ وليسَ حقيقة.

ويمكن فلسفة الأمثال فلسفة بسيطة بعيدة عن التعقيد لتبيَّنِ معاني لا يمكن إنكارها، وتصبغها بحقائق يصعب رفضها، فيما يناسبها، لأنها تعبر عن وقائع وحقائق يفلسف الناسُ فيها مُرادهم بما يناسبهم ويرغبون في تجسيده حسبما يفلسفونه، وهذا المنحى يتوافق مع مفهوم الفلسفة التي تعني “حب الحكمة”، وتهتم بدراسة اساسيات المعرفة الطبيعة والواقع والوجود، وبتأسيس نظريات إرشادية للسلوك، وبالتالي معرفته وتمييز السوي منه من الخاطئ والمقبول منه من المرفوض وذلك حسب رؤية المجتمع لواقعه وتكوينه رأيًا جماعيًا.

رأي عام

تمثل الأمثال الشعبية رأيا عاما للمجتمع لأنها مأخوذة منه ومولدة من رحم سلوكيات افراده بما لهم وما عليهم، وكلما زاد استخدام مثلٍ من الأمثال زادت دلالاته في التعبير عن ميول المجتمع وشخصيته. فالأمثال تعبر عن افكارٍ تبلورت من تجارب وموروثات سابقة بلسان الحكمة والموعظة. وقد قيل إن المثل لم يترك شيئًا إلا وتحدث عنه. والأمثال لا تعارض في اصلها لأن معانيها متعددة، وبالتالي فهي تعكس رغباته الحياتية ونظراته المختلفة لمظاهر المجتمع السلوكية.

وكثيرًا ما تؤخذ الأمثال من عبارات قيلت في احداث أو مناسبات أو أتت في قصة أو رواية ثم ذهبت امثالًا تبرِزُ رأيًا عامًا لما فيها من حكمة أو عمق معنى أو مشاعر تلامس أحاسيس الناس ومعاشاتهم أو يكون فيها حسن تشبيه ينطبق على احداث ومناسبات متشابهة كما في قولهم “وافق شنٌ طبقة” أو “ذهب بها عكاشة” أو “عند الصباح يحمدُ القوم السرى” أو “للبيت ربٌ يحميه” أو “جزاء سنمار” و “حتى أنت يا بروتس” و “جعجعة دون طحن”.

وربما اخذت الأمثالُ عبارتها من بيتِ شعرٍ، بتحريف أو بدون تغيِر، كما في قولهم “إن الطيور على اشباهها تقعُ” و “في الليلة الظلماء يفتقد البدرُ” و “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن” و “الا ليت الشباب يعودُ يومًا” و “مصائب قومٌ عند قومٍ فوائدُ”، وغيرها من الأمثال الشعرية في الأدب العربي كثيرة. وربما اخذت من ملاحظة الطبيعة كما في قولهم “في السماء غيم” أو “ضو ليف” أو “حريقة جدوع”.

سهولة تداول

تتكون الأمثال الشعبية من جمل قصيرة جدًا قد تتكون من كلمتين أو حتى كلمة واحدة مما يسهل حفظها وتوارثها عبر الأجيال، ومما يزيدُ في سرعة انتشارها وسهولة تداولها وفرة مناهلها وسلاسة تناولها لأن استحضارها يخضع لظاهرة تداعي المعاني وربطها بتجارب إنسانية عملية عميقة، فيأتي ذِكرها طوعًا تبعًا لمتطلبات الحديث وطبيعة الحدث. كما إن عباراتها، وإن طالت، بسيطة التركيب سهلة المعاني ولا يتطلب استخدامها التزامًا بصيغةٍ حرفيةٍ في القولِ ولا اتباعًا مُلزمًا لقواعدِ النحو العريضة. فالأمثال ليست كالشعر في ميزانه وبحوره عند قوله، ولا آية تستوجب ضرورة الوفاء بالنص ووضوح النطق وصحته، ولا حديث شريف يخشى عدم موثوقية مصدره، وهي ليست حكراً على الذين يحفظون كتب سيبويه والكسائي، ومعلقات شعراء الجاهلية، إنما هي ثقافة شعبية دارجة وهذا ما يعظم من فوائدها ويزيد جمالها ويسهل استخدامها.

بلاغة

تتميز الأمثال الشعبية بكلماتها الموجزة المتضمنة لمعاني عميقة لها دلالات كبيرة، فالإيجاز وجمال العبارة من ابرز ميَز الأمثال. وما يزيد في جمال الأمثال وروعتها، دمجها في عبارتها عناصر مشوقة كالفكاهة والنقد والسخرية مما يزيدُ في قوة تأثيرها وسهولة تعلقها بالذاكرة. وقد وردت كلمة “مثل” في القرآن الكريم 158 مرة في 140 آية، وهذا دليل على أهمية الأمثال في التوضيح البلاغي للمعاني.

أن التكوين اللغوي البلاغي المبسط للأمثال يسهل للمتلقي رسم صورة وافية تعرفه على الملامح الشخصية العامة للمجتمع. كما أن التكوين المجازي للأمثال له إيقاع لغوي تستأنس به الأذان ودلالات تعيها العقول لأنها نتاج خبرة شعبية شاملة تعزز ثقافة المجتمع بطريقة سهلة. وقد قيل في مجازية معاني الأمثال وسهولة قبولها “الأمثال تُضرب ولا تعارض”. قال تعالى {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها (البقرة-26}.

كما أن هناك أهمية بالغة للأمثال في الارتقاء بمستوى الكلام البلاغي والخطابي المؤثر لأنها تساعد في الأقناع السلس والتوضيح المبطن للأمور الحرجة بنوع من الأدب الشعبي المقبول عند عامة الناس ومختلف الطبقات والأهواء والمشارب. وقلما تجد خطابًا أو حديثًا لا يتضمن الإشارة الى مثل فيه تشبيه او تأكيد لفكرة يُراد إيصالها أو رسالة معينة يُراد تلطيف اجوائها ليسهُل قبولها واستلطافها. وربما اضيفت الأمثال إلى المكاتبات والخطابات التحريرية لتحسين معناها وزيادة قوة تأثيرها.

كنوز معرفية

الأمثالُ كنوزًا معرفية ثمينة لأنها تزود المجتمع بخلاصةِ تجارب بشريةٍ تخلدُ في ذاكرته فتعزز وعيه وتزيد في رجاحة عقله. وهذه التجارب هي نتاجُ مواقفٍ وأحداثٍ تتعرضُ لها المجتمعاتُ على مر تاريخها واطوار نموها، فتصاغُ في أمثالٍ تصبحُ مرآة لحكمتهم وبيان لعاداتهم وتقاليدهم وسلوكهم، وتدلُ على مدى قدرتهم في الاستفادة من التجارب واستنباط الحكمة واستخلاص المعرفة، وتمييز ما هو مقبول ومنسجم مع السلوك العام للمجتمع وما هو مرفوض في الوجدان الشعبي لأفراده. والناس متفاوتون في حكمتهم، ليس بالقياس الكمي لتجاربهم، ولكن بالقياس النوعي لها بناءً على مدى معرفتهم واستيعابهم لمجريات الأحداث، فالذكي هو الذي يتعلم من تجارب غيره. وعن علي عليه السلام ” إنما العاقل من وعظته التجارب”.

لوحة فنية بريشة الفنان منير الحاجي

تراث ثقافي

ومن الطبيعي أن تتأثر الأجيال اللاحقة بتجارب الأجيال السابقة وتتغنى بها لأن من طبع الإنسان محاولة الالتصاق بالأشياء القديمة والاحداث الماضية كمادة لاستحضار المجد والاستئناس به، وتكوين ثقافةً يعتزُ بها. والأمثالِ خلاصاتُ لتجاربٍ إنسانيةٍ تجسدُ ثقافةً نستطيع أن نستشف من خلالها تاريخ المجتمعات وميولها، وعمق ثقافتها، وسلوكها.

وتساعدُ الأمثالُ في فهم التجارب الأكثرَ تأثيرًا في المجتمع، لأن المثلُ قولٌ سائر يقارب حالةً طارئة بأخرى سابقة من تجارب السابقين فتصبح جزءٌ من ثقافةِ المجتمع.

واستخدام الأمثال أحدى الطرق الميسرة لإظهار التراث الثقافي للمجتمعات ولبيان مدى التصاقها بالماضي خاصةً إذا شعرت بوهنٍ في حاضرها. ولا يختلفُ المثلُ الفصيحُ عن المثلِ الشعبي الذي يعتمدُ على توليفته على اللغة الدارجة المحلية التي تحوي في كثيرِ من معانيها كلمات لغوية اصيلة يقل استخدامها في اللغة الفصحى الحديثة. 

ثقافة حية

تمثل الأمثالُ واحدة من أهم ثقافات الفكر الإنساني التي تساعده للوصول إلى معنى ومفاهيم الحياة. وترتبط الأمثال، ضمن روافد وفروع مختلفة، بأدب الحكمة ارتباطًا وثيقا، فهي عبارةٌ عن موسوعةً ثقافيةً شفويةً للغالبيةِ العظمى من عامة الناس، إن لم يكن جميعهم، الذين يستخدمونها في التعبير عن أو الإشارة إلى أو محاولة شرح تجارب ومواقف وأحداث يعاصرونها ويعايشونها. وبالتالي فهي تساهم في نشرِ ثقافةٍ راقية باللغة الشعبية الدارجة، وهنا نلاحظ توظيف الأمثال الشعبية لمعانٍ من القرآن الكريم ولعباراتٍ من أقوال مأثورة ولمقاطع من أبيات شعر خالدةٍ ساهمت هذه الأمثال في حفظها وشعبيتها.

كما أن الأمثال تجعل من لغة اهلها لغة حية لأنها تأخذ منها كلمات لصياغتها وتعطيها معاني لبلاغتها فتقوي بنيتها وتزيد في استخدامها، وتنشرها بين مجتمعات وأمم أخرى، ومن ميزة الأمثال إنها تُعاصر زمانها فتكون مناسبة لاستخدامها فيه فتمكن المتلقي من تصورها وفهمها.

ذكاء اجتماعي

تستخدم الأمثال في معالجة المظاهر السلبية بطريقة فعالة ومقبولة، فالأمثال تمتدح الصواب وتحببه الى النفوس وتمقت العوج والانحراف وتُبغِض النفوس اليه. فالمثلُ الشعبي يعبر عن شخصية المجتمع لأنه يستخدم مكوناته البيئية ومضامينها الإنسانية الفكرية والثقافية للتعبير عن مكنوناته بإيجاز بسيط وطعم لاذع.

ومن هنا تأتي القدرة العالية للأمثال في خلق تواصل خلاق بين المتحدث والمتلق وبين الكاتب والقارئ، فضلًا عن قدرة المثل على تحريك الذاكرة واستحضار الخيال. كم أن استخدام الأمثال يدرأ الأحراج بإيجاز ولطف من باب “إليك أعني واسمعي يا جارة”. وفي نفس الوقت يمثل استخدامها الصحيح الفعال انعكاس لقدرة الذكاء الاجتماعي للفرد لأنه يبين مدى درايته بتجارب الآخرين وأفكارهم ومشاعرهم.

إن استحضار الأمثال الشعبية وتوظيف معانيها في الوقت والمكان المناسبين له تأثير فعال على الناس لأنه يُقرب الى العقول المدركة المعاني المقصودة في صورة محسوسة.

فالأمثال تخفف من وطأ المصاعب والمشاكل لأنها مُؤنِسة وكما يُقال “إذا صفى لك دهرك في زمانك…يوم لك وتسع عليك” والحياة في واقعها “طُبِعت على كدرٍ” وفي أحسن الأحوال “لا تخلو من كدر”، وهي وإن صفت “لا تسوى افراحها لحظات احزان قصيرة”. فلا سبيل، إذن، للتخفيف من وطأة الحياة وتحمل آلامها والتغلب على مصاعبها ومواجهة تحدياتها المتكررة الثابتة العنيدة سوى فهمها وإدراكها والتعامل معها بطريقة مناسبة. ومن سبلِ الميسرة تحقيق هذا المطلب استحضار الأمثال الشعبية وفهم معانيها.

فكاهة

في الأمثال متعة الفكاهة والتندر والطرفة لما فيها من ظرافة وهزل ونقد مبطن شبه صريح ولباقة تغلف مرارة صراحتها بطرفة وحلاوة مما يجعلها خفيفة السمع لطيفة المعنى مقبولة الذوق عند المتلقي. حين نتعرض لمواقف مغايرة لما تعودنا عليه أو فيها غرابة أو نقع في خضم احداث مفاجئة تثير الدهشة نستدعي الأمثالَ لنضعها أمام نقيضها بطريقة فيها من الهزل ما يثير سخرية تنم عن استهزاء مما يولد ضحك تلقائي يأتي كرد فعل عفوي. وقد قيل “شرُ البليةِ ما يُضحِك“.

Smile | SiOWfa16: Science in Our World: Certainty and Controversy

في الكثير من الأمثالِ محاكاة ساخرة ترتكز على مبدأ التشويه والتحويل وهي من بين أكثر المفاهيم البلاغية التي توضح الاختلاف. والمحاكاة الساخرة تتعالى على السفاسف وتزدري ما هو شاذ غريب عن المألوف بطريقة هزلية فيها سخرية قد تكون قاسية لكنها تولد ابتسامة وتثير الضحكَ لأن فيها حسًا أدبيًا رفيع ونفحات ثقافية متقنة تنتقد الرذائل والحماقات الإنسانية الفردية منها والجماعية التي لا تستقيم مع المفاهيم المتعارف عليها والمقبولة عند الجماعة،،،

فتصبح الأمثال وخاصة الشعبية منها آلة من آليات إنتاج الضحك التي تتبني محاكاة ساخرة لدلالات متناقضة تستخدم مترادفات تشكل ثنائية من سطح ظاهر وعمق خفي لمعانٍ تقالُ نطقًا ويصعب كتابتها صراحة فيشار لها تلميحا مما يكسبها عنصر الفكاهة.

وقد ينشأ الضحك أيضا عندما تجهل الشخصية المقصودة ذاتها فتتوهم تصديق ظاهر ما يُقال، فتكون هذه الشخصية نظرة خاطئة عن نفسها فيقال عنها بأسلوب الفكاهة والتندر شخصية مدمغة أو “بكرتونها” أي لم يخوض غمار التجارب ليكتسب الفطنة.

التعريف اللغوي

تُعرف لفظة مثل في المعاجم العربية بمعانٍ كثيرة منها: التسوية والمماثلة والمشابهة فيقال شبيه الشيء مثله كما تعني مساوة شيء بشيء فيقال: “مثل مثل”. ويتشابه لفظ مثل في اللغات السامية القديمة فكأنما له لفظ مشترك في الأصل، فهي في العربية: مثل، وفي الآرامية والسوريالية متال (metal) وفي الحبشية مسال (mesel)، وهي معانٍ لا تبعد عن المشابهة والمشاكلة والشبه والنظير.

التعريف الفكري

  • الأمثال وأن المجموعات المكتوبة منها تعود إلى أقدم العصور. (ليندا وروجر فلافيلز).
  • المثل هو جملة قصيرة ومعروفة عموماً تحتوي على حكمة وحقيقة وأخلاق وآراء تقليدية في شكل مجازي وثابت وقابل للحفظ وينتقل من جيل إلى جيل. (ولفغانغ ميديرن).
  • الأمثال خواطر موجزة وشظايا فكرية وحكم شعبية تأتي من تجارب حياة الأجداد ، والأمثال والأقوال هي نهر الحياة وحُكم الأمم وهي لب ثقافة أي أمة. (أكسوي).
  • تتميز الأمثال بقصر وعمق المعنى ودقة الفكر وأن أسلافنا اعتمدوا في الغالب على صوت قلوبهم وليس على قوة معصمهم واعطوا أهمية لجوهر الكلمة.
  • المثل هو نوع تعليمي تقليدي وتخاطبي ذو معنى عام ويفضل أن يكون له معنى رمزي (نوريك).
  • ظاهرة عالمية تتميز بها كل اللغات، وهي أقوى تعبير فني لأي لغة. (Kaidarov).
  • الأمثال موجودة في جميع اللغات.
  • أصل كلمة مثل اشتقاقي ويعني “العرض في صورة حسية”. (رودولف)

مما تقدم نلحظ أن الأمثال الشعبية تساعدنا في:

  • فهم المعنى المطلوب بصورة تناسب المواقف والأحداث وتصورها ليكون له وقعًا مؤثر،
  • فهم النمط السلوكي للمجتمع وبالتالي الوعي بالدوافع التي تحث افراده على انتهاج سلوك معين،
  • تسهيل استقراء حالة المجتمع واستنباط مفاهيم عقليته ونفسيته وحكمته بمفهوم أقرب إلى الواقع،
  • تعميق الفكر والتقرب الى الحقيقة التي نحتاجها لنبني عليها احكامنا وقراراتنا،
  • فهم أوضاع الناس الاجتماعية، وحالاتهم الاقتصادية وعمقهم الثقافي، وتوظيف هذا الفهم لاستغلال قدرات المجتمع البشرية وموارده المادية لتحقيق ازدهاره، ونموه، وديمومته.

دلالات استخدام الأمثال في المجتمع القطيفي

المجتمع القطيفي كثير الاستخدام للأمثال الشعبية التراثية الجميلة التي تعبر بصدق عن رقي ثقافة أهل المنطقة. وهذه الأمثال تدل على عمق ثقافته العامة وذكائه الاجتماعي ووعيه وتوخيه الحكمة في سلوكه وتعاملاته. وهناك الكثير من الأمثال القطيفية التي تعكس عمق ثقافته الاجتماعية، وقد تم ذكرها وتبيان معانيها في مؤلفات عديدة. 

وبالتمعن في هذه الأمثال يمكننا أن نستنتج منها سماتِ شخصيةٍ تمثلُ المجتمعِ لأنها انعكاسٌ لطبيعتِه وميولِه من واقعِ بيئتِه المتأثرةُ بتداخلاتِ التاريخِ والثقافةِ والجغرافيةِ والأدبِ والاقتصادِ والدين.

وبدراسة عينات منها وتفحصها يمكننا استخلاص أن المجتمع القطيفي في كليته مجتمع إيجابي منفتح، ذو ذكاء اجتماعي مرتفع يميل الى العلم والمثابرة والتحفيز والتشجيع والانضباط والتفاني والمرونة والتوازن والتواضع ومقت الحرص والبخل والتعاون والوفاء والصبر والتأني وحسن المعاشرة والصبر، وفي نفس الوقت قد تكون له ردات فعل قوية نتيجة قدرته في الصبر أو كتم المشاعر التي تؤذيه.

كما إن استحضار شواهد من الأمثال الشعبية القطيفية تبين مدى تأثير البيئة في عمق شخصيته وإنسانيته، ومن الممكن، بسهولة، وصف المجتمع القطيفي بأنه مجتمع حي متجدد. فالإنسان يستقي فهمه، ووعيه، وإدراكه من محيطه وبيئته التي ترعاه، سواء كانت طبيعية جغرافية، أم إنسانية بشرية، أم دينية سماوية، كما سنلحظ كيف أن الأمثال القطيفية تبسط في جميل صياغتها وبساطة كلماتها وسلاسة سردها معانيَ عميقة وردت في آيات كريمة، وأحاديث شريفة، واقوال مأثورة وحكمٍ منثورة وأشعارٍ موزونة، وقصص تاريخية.

وسوف نتوخى في اختيار الأمثال التركيز على الأمثال القطيفية البحتة أو تلك التي تستخدم فيه بشكل راسخ ومنوال متكرر، مع ملاحظة كون وجود أمثلة مشتركة أو مقاربة لتلك التي تستخدم في المجتمعات العربية الأخرى وخاصة القريبة منها كالأمثال الخليجية. ذلك لأن المجتمع القطيفي مجتمعٌ ضاربةٌ اطنابِه في عمق تاريخ الثقافة العربية والإسلامية بل هو احد اساساتها ودعائم قوائمها، يشهد بذلك، وبلا ريب، انتاجه العلمي والثقافي والأدبي والشعري الكثير، الغزير، المتفوق. ومن الممكن تصنيف الأمثال الشعبية القطيفية ضمن عشرة عناوين ننفذ من خلالها للتعرف على بعض ملامح الشخصية القطيفية.

عناوين الأمثال الشعبية القطيفية:

  1. المعاشرة ومعاملة الناس
  2. القرابة والصُحبة والجوار
  3. آداب التواضع وأدب الحديث وحفظ اللسان وحسن الكلام
  4. الشيم والوفاء
  5. السعي في طلب الرزق
  6. الصبر وعدم التسرع في الحكم على الأمور
  7. التحفيز والمثابرة والتحدي والمجازفة
  8. تحمل المسئولية – الهمة والنشاط واستغلال الفرص
  9. طبيعة المجتمع – العادات والتقاليد والاهتمامات
  10. مقاربة خصائص الحيوان بالطباع الشخصية والصفات السيكولوجية للإنسان.

 مصادر:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *